عدد الرسائل : 3 نقاط : 9 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 10/01/2014
موضوع: بطل من هذا الزمان الجمعة 10 يناير 2014 - 13:23
بطل من هذا الزمان
بقلم: نبيل عودة
يمتلئ صدر الأميرال أحمد بالنياشين، لدرجة انه أوكل جندياً بترتيبها كلما استبدل البدلة العسكرية بأخرى، وكان الجندي يعتمد على صورة مكبرة تبين مكان كل نيشان على بدله الأميرال، حسب المقياس المليمتري. لم يحصل الأميرال أحمد على نياشينه بسبب بطولاته العسكرية. فهو لم يخض معارك حربية حقيقية، ولا أحد يعرف كيف يمكن أن يتصرف فيما لو واجه حرباً حقيقية، ولا يبدو انه سيخوض معركة حربية في المستقبل، إلا إذا اعتبرنا التصريحات استعداداً لإنزال ضربة قاصمة بالمعتدين نوعاً من الحرب، وفي الحقيقة لو سئل المواطن: ضدَّ من يتوقع حرباً؟، لضحك من غرابة السؤال. فالمواطنون لا يعرفون عدواً يهدد بلادهم... ولكن هذا الكلام الحربي، بات يردّده كثيرون منهم كما يردّدون النشيد الوطني في المناسبات السعيدة لجلوس سيد البلاد على رأس السلطة بحفظ الله وصونه. ومع ذلك كان صدر الأميرال معرضا لكل النياشين التقديرية والبطولية، ويقال أن بعضها اقر خصيصا له، مع أن أحدا لا يعرف أي بطولة قتالية إجترحها الأميرال، إلا تصريحاته التلفزيونية.
كان قائداً للأسطول، وقريباً سيحتفل بمرور 30 سنة على قيادته للأسطول الحربي، وحتى لا يفهم تعبير أسطول خطأ نوضح انه ليس أسطولاً أميركيا مثلاً، أو أسطولاً لدولة أوروبية.. وان أسطول الأميرال أحمد عبارة عن خمس قطع بعد أن غرقت القطعة السادسة بسبب قدمها والصدأ الذي فتك بحديدها. والقطع البحرية هي ثلاث قطع خفيفة التسليح والحركة، مع حمولة محدودة من جنود البحرية لا تزيد عن خمسة أفراد في كل قارب، تقوم بمهمات حراسة السواحل والمياه الإقليمية، ومعظم المتطاولين حتى اليوم كانوا من صيادي الأسماك من دول الجوار، وعادة يجري حلُّ الإشكال بتقاسم الأسماك، بين الجنود والصيادين.. لمنع وقوع أزمة علاقات دبلوماسية وحرب إعلامية عبر كل وسائل الإعلام من تلفزيونات وراديوهات وانترنت وصحافة مطبوعة بين الدول الشقيقة. وبالطبع دائماً هناك حصة من أفخر الأسماك للأميرال أحمد. وإضافة لهذه القطع التي تؤدي دورها العسكري الوطني في ضمان أمن البلاد والمواطنين، هناك البارجة العسكرية، من موديلات الحرب العالمية الثانية، جرى تحديثها، بإضافة حمالات أعلام وبراويز لصور سيد البلاد. سعتها تسعون جندياً، ولكنها تبحر دائماً بمائة وثلاثين عدا طاقم المطبخ المكون من خمسة وعشرين عاملاً. وهناك غواصة عسكرية، سعتها خمسة وستون جندياً، وطبعا مع عشرة أفراد في المطبخ حرصاً على تغذية البحارة بما يليق بهم وبجهودهم العسكرية في خدمة الوطن. وهناك مجموعة من خفر السواحل يستعملون القوارب المطاطية، ويقضون معظم نهارهم في صيد السمك. ولا بد من إرسال أطيب أنواع السمك للأميرال أحمد، لأن حبه في القلوب هو جزء من حبهم الوطن. وهو قائدهم وراعيهم وصهرٌ لعشرةٍ من ضباط البحرية!! كان يختار المصاهرة حسب جمال الضابط، الأمر الذي يشير الى جمال مؤكد تتمتع فيه أخته، ومن يرفض مصاهرة ابن العائلة العظيمة التي تدفع مهراً يجعل الضابط وعائلته من أغنياء الدولة وذوي الكلمة التي لا تردُّ في أجهزة الدولة.. وأخيراً يمكن إضافة فرقة الكوماندوز البحري، الذي يتميز نشاطهما الأساسي بالاستعراضات التي تلهب حماس الجماهير. أكثرية معارك الأميرال البحرية جرت ضد أهداف وهمية، وبحضور مختلف الملحقين العسكريين الأجانب والعرب، وهو ما يمنع بالتأكيد الأطماع الصهيونية والامبريالية من التفكير بغزو البلاد. عادة تجري المناورات في قلب البحر، دون الخروج من المياه الإقليمية، إذ تبحر القطع الحربية، بقيادة الأميرال الذي يقود المناورة من مركز قيادته في البارجة، حيث يستضيف المراقبين العسكريين، ويقدم لهم شروحاً حول المناورة وأهدافها، ويبدأ إطلاق النار على أهداف وهمية، تصاب كلها بالتأكيد دون خسائر في قطع الأسطول، وطبعاً التلفزيون الوطني يبث الانتصارات بثاً حياً ومباشراً، وتجرى المقابلات مع الأميرال أحمد، ويتحدث بمصطلحات عسكرية تسحر المستمعين مثل: طوقنا، ضربنا، لاحقنا، أوقعنا، التففنا وحققنا مفاجأة استراتيجية قاتلة للعدو، أخذنا المبادرة الإستراتيجية، وطردناه خاسراً ذليلاً من مياهنا الإقليمية، بعد إن مزّقنا مخططه لاختراق دفاعاتنا البحرية وإقامة رأس جسر على سواحلنا. ولكن في الحقيقة أن صحفياً مدسوساً كتب أن ما يشغل بال المراقبين خلال كل المناورة، حضور الحفل الشرقي الراقص، وتناول المشروبات الروحية، المحرمة حسب القانون في البرّ، ولكنها موجودة بوفرة في مقصف البارجة.. إلى جانب أفخر أنواع الكافيار، وأفخر أنواع السمك وفواكه البحر، وتقريباً لا يهتمون بتطور أحدات المناورة التي يشاهدونها كل سنة مرة. ولكنهم في النهاية يصطفون بالدور لتهنئة الأميرال أحمد على إنجاز مهام المناورة بكاملها، وأنهم سينقلون لوزراء دفاع بلادهم، انطباعاتهم عن الجاهزية العسكرية المرتفعة لجنود البحرية وأسطول البلاد. ذلك الصحفي اتهم بالخيانة العظمى والتجسّس لصالح العدو الصهيوني. وهو في سجنه ينتظر صدور قرار الحكم. هذه المناورات وتغطيتها الإعلامية ترفع معنويات المواطنين، لدرجة يتوهمون أنهم أصبحوا دولة بحرية عظمى.. وأن نصر الله قريب ضد الصهيونية والاستعمار... ولكن لا أحد يعرف كم يستغرق من الوقت وصول بحريتهم لسواحل العدو من أجل مقاتلته وهزمه، ولا كيف سيخوضونها ضد الاستعمار، الذي يستطيع إصابة كل قطع أسطولهم من مسافات بعيدة دون رؤيتها بالعين، بل عبر تحديد مواقعها بالأقمار الصناعية. بعد كل مناورة وتغطية تلفزيونية وتصريحات أميرالية، يجري تكريم الأميرال في مجلس الشعب، وفي قصر سيد البلاد. وعادة يمنح الأميرال هبة مالية، كانت سابقا بالدولار، واليوم مع هبوط قيمة الدولار صار اليورو أوجب لتكريم عظماء الأمة وحارسي الوطن، ومن المتوقع أن يهبه سيد البلاد مليون يورو اعترافاً بدوره العسكري الوطني في ضمان أمن البلاد.
بعد انتهاء المناورة الأخيرة، وبينما البارجة تعود إلى قواعدها، والأميرال يستريح فوق مقعده العريض، مغمض العينين، يفكر فيما سيحصل عليه من تكريم وهبات وشهرة، وإذ بصوت مراقب البارجة يخترق أذنيه عبر الخط الأحمر الداخلي: سيدي القائد، هناك ضوء أمامنا لقطعة بحرية كما يبدو.. إذا واصلنا التقدم بهذا الخط سنصطدم بهم. انتفض الأميرال واقفاً، وأسرع إلى مركز قيادته، وأمر المراقب أن يرسل إشارات إلى مصدر الضوء ينبّههم إلى ضرورة تغيير مسارهم بعشرين درجة على الأقل، تفادياً للاصطدام. نفّذ المراقب الأمر... وتلقى جواباً وقحاً بالإشارة.. احتار هل ينقل الجواب الوقح أم يرسل إشارة أخرى؟ ولكنه ملتزم بأوامر قائده.. فحسم أمره: سيدي الأميرال، ردوا على الإشارة بوقاحة، يقولون لنا أن نغير نحن اتجاهنا بعشرين درجة. غضب الأميرال أحمد، وصرخ بعصبية: سنقضي عليهم كما قضينا على الأعداء..
وبعد أن تمالك أعصابه قال للمراقب:
أرسل إشارة بأننا بارجة عسكرية يقودها الأميرال أحمد، وأننا في مسار تصادم مؤكد، ويجب أن يغيروا فوراً مسارهم بعشرين درجة.
سيدي جوابهم يفيد بما يلي: أنا بحار بسيط سيدي الأميرال، وأنا أناشدك أن تغير مسارك بعشرين درجة. من الصعب وصف غضب الأميرال، بحار بسيط يواصل تحديه. سيلقنه درساً لن تنساه البحرية خلال قرن كامل. وقال للمراقب أن يرسل إشارة لذلك البحار الوقح بأننا سفينة عسكرية وأوامرنا يجب أن تطاع، وإلا سينزل بكم عقاباً رهيباً.
وجاء الرد من البحار البسيط: سيدي الأميرال أنا مطيع لأوامرك، انا مشغل الفنار، ولا أستطيع تغيير مكان الفنار، أرجو أن تنحرف عشرين درجة حتى لا تتحطم بارجتك على الصخور أمام الفنار!!