عدد الرسائل : 3 العمر : 54 المزاج : متوازن نقاط : 9 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 17/08/2009
موضوع: وجهه نظر الجمعة 21 أغسطس 2009 - 10:58
مصر بين دعاوي القبطيه و العربيه
تعالت اصوات في الوقت الراهن تطالب بتغير اسم الدوله من جمهوريه مصر العربيه ليقتصر علي جمهوريه مصرو ادخال اللغه القبطيه كلغه رسميه للدوله الي جانب اللغه العربيه و اجراء استفتاء علي الماده الاولي و الثانيه من الدستور المصري و تبني هذه الدعوه عدد من المحامين الاقباط كما يحبوا ان يشار اليهم و علي راسهم المفكر و المحامي ممدوح نخله الذي يشغل منصب رئيس مركز الكلمه لحقوق الانسان و اعتبر ان ذلك اقسط و اقرب الي ترسيخ مبدء المواطنه و في راينا المتواضع ان هذه الدعوي ما هي الاصهيونيه جديده تستحدث في مصر و اختزال لكل الثقافات و الحضارات بمصر ووضعها في اطار خانق يسمي القبطيه اعتمادا على ادعاءات شبيهة بتلك التي قامت عليها اليهودية السياسية. ممثلة في الحركة الصهيونية وقدرتها على تصنيع واختراع الأساطير التي تدمج الدين بالعرق أو السلالة. فخرجت منها الدعوة إلى ما يسمى الوطن القومي لليهود. كمضرب من مضارب القبيلة اليهودية. فعادوا بالدين إلى سيرته الأولى.. حدوده القبيلة أو القوم. يوم أن كان محصورا داخل جماعة ذات أصل واحد وسلالة متصلة. واليهودية السياسية في صيغتها الصهيونية أعادت اليهودية وقصرت احتكارها على قبيلة بني إسرائيل وفروعها. ومع يقيني أن هذا لا يستقيم مع المسيحية ولا الإسلام. لطبيعة الدينين العابرة للقبائل والشعوب والأمم، وهذه إشكالية الإسلام السياسي حين استجابت بعض جماعاته لدواعي العزلة، وحصروا أنفسهم في نطاق قبلي. دون التفاعل مع الحياة والعصر. والمشكلة في المسيحية السياسية في ثوبها الانعزالي أنها سيطرت من سنوات على التوجهات الرسمية للكنيسة المصرية.. شوهت تراثها وتاريخها الوطني. والتيار الانعزالي داخل الكنيسة وخارجها يختزل الوطن الجامع في كيان أشبه بالغيتو أو القبيلة المغلقة، على غرار اليهودية السياسية المصهينة وخطى المسيحية السياسية في الغرب المتماهية في نظيرتها الصهيونية. وقد يبدو هذا الكلام ملغزا، وأمر حله سهل إذا ما تم التعرف على مدلولات القبطية الراهنة، فهي ليست دينا أو هوية. الدين المسيحي نزل على حدود مصر وتخومها. في منطقة مسكونة بالعرب من قديم الزمن. وكان من الطبيعي أن تظهر فيها ممالك عربية اعتنقت المسيحية قبل ظهور الإسلام. الغساسنة في الشام والمناذرة في اليمن والجزيرة العربية. وربط القبطية بالمسيحية فيه تعسف بالغ. خاصة أنها بدأت لهجة من لهجات اليونانيين أثناء احتلالهم لمصر، وتحولت إلى لغة أضافت إلى حروف الأبجدية اليونانية الخمسة والعشرين سبعة حروف أخرى توائمها مع موروث الأبجدية المصرية القديمة. مثل حروف العين والضاد والطاء والخاء والغين، ولأن اللغة هي أداة المعرفة والعلوم والآداب لعبت دورها في صياغة الثقافة القبطية. وهنا يظهر الفارق بين مُخْرَجات الثقافة القبطية اليونانية ونتاج المسيحية العربية. سواء في الروح والشعور بالانتماء والدور. فالأولى لم تتخل عن أصولها الغريبة، والثانية حافظت على اللغة العربية وتراثها وثقافتها، بما فيها الثقافة الإسلامية. حتى أن أسماء الأشخاص في المسيحية العربية هي غسان ومروان وإلياس وعطا الله. والأسماء القبطية هي اسكندر وجرجيوس وكيرلس وأرمانيوس ومكاريوس وهكذا. ومصر لم تكن مصرية.. أي لها شخصيتها واستقلالها.. منذ انتهاء حكم الأسر الفرعونية على يد الآشوريين ثم الفرس، الذين هزموا أمام زحف الإسكندر الأكبر نحو آسيا الصغرى وشبه القارة الهندية. وبعد أن استدار غربا نحو مصر وشمال افريقيا توج نفسه ملكا على طريقة الفراعنة واعتنق دينهم وحج إلى معبدهم في واحة سيوة وأسس الإسكندرية، وورث اليونانيون مصر ضمن تقسيم ممتلكات الاسكندر على قادته ومساعديه. وكانت من نصيب البطالمة. وهم سلالة بطليموس قائده المقرب والمفضل. و استمر حكمهم ثلاثة قرون تداول على حكمها 15 بطلميا، ولما انتهوا حكمها الرومان . وبسطت روما سيطرتها بعد أن قضت على كليوباترا آخر ملوك البطالمة، ويمكن للإنسان أن يشم رائحة الانحياز للحقبة اليونانية. حيث ُوصفت بفترة استقلال مصر. مع أن حكامها وملوكها ونخبها لم يكونوا مصريين . ومع الرومان انتقلت ملكية البلاد من اليونانيين إلى الرومان، الذين احتفظوا بالإسكندرية، بمكتبتها وجامعتها، كثاني أهم المدن بعد روما . واعتنق رعايا الرومان في مصر المسيحية بنسقها اليوناني في منتصف القرن الميلادي الأول . بفضل القديس مرقس وإقامته في الأسكندرية وتأسيسه لأول كنيسة في مصر وافريقيا. وقد عانى المسيحيون المحسوبون على الثقافة اليونانية من اضطهاد الرومان لهم خصوصا في فترة الإمبراطور دقلديانوس الذي يؤرخ بعام توليه عرش الامبراطورية بداية للتقويم السنوي لدى المسيحيين المصريين الأرثوذكس. وقد زاد بناء الكنائس و الأديرة في هذه الحقبة وانتشر التصوير للشخصيات والأماكن على نمط ما كان سائدا في أثينا. وقد تعارف مدونو المرحلة البطلمية اليونانية على وصف المصريين بالقبط. تحويرا لمسمى إيجيبتوس اليوناني لمصر كمستعمرة تحكم وتدار من قبل اليونانيين واليهود، وكان عدد سكانها يبلغ سبعة ملايين نسمة. منهم مليون يهودي وضعفهم تقريبا من اليونانيين، وهذا هو مصدر شعور الإنعزاليين.. مسلمين ومسيحيين.. بالغربة بين باقي المواطنين، الذين انصهروا وتزاوجوا واندمجوا فتمصروا وتعربوا. ويبدو أن هذا كان سببا في اختطاف الانعزاليين للتاريخ المصري القديم واحتكاره لحسابهم. وعلى الرغم من هذه التعقيدات يجب أن توضع المرحلة القبطية (اليونانية) في سياقها التاريخي الصحيح، فهي حقبة من حقب التاريخ وحلقة من حلقاته، وجزء من التراث الممتد في مصر والمنطقة عبر آلاف السنين. والذين يحنون لثقافتهم اليونانية لا ضير عليهم إذا ما اندمجوا وأقروا بمصريتهم. فمصر تتسع للجميع.