قمع الطلاب بمراكش ومستقبل النضال بالجامعة المغربية
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Admin
عدد الرسائل : 97 العمر : 36 نقاط : 53 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 09/11/2008
موضوع: قمع الطلاب بمراكش ومستقبل النضال بالجامعة المغربية الثلاثاء 11 نوفمبر 2008 - 3:01
قمع الطلاب بمراكش ومستقبل النضال بالجامعة المغربية الخميس 22 أيار (مايو) 2008
محمود جديد
وضعت الدولة طلاب الجامعة العمومية في حالة من البؤس وانتفاء حد أدنى من شروط الدراسة لم يسبق لها مثيل، وكلما تمكن الطلاب أبناء الطبقات الشعبية من تحويل رفضهم الصامت والمشتت إلى فعل جماعي منظم انهالت على رؤوسهم آلة القمع بقصد تحطيم المقاومة الطلابية.
كل سنة تشهد هذه الجامعة أو تلك، وحتى العديد منها، هزات احتجاجية على التردي المريع لظروف الدراسة والمعيشة، و في كل مرة تنقض فرق التدخل المتحركة CMIعلى الطلاب مخلفة الجرحى والمعتقلين وحتى القتلى. تجدد هذا بقوة فيما شهدته جامعة القاضي عياض بمراكش منذ متم شهر ابريل، فاحتجاجا على سوء التغذية التي بلغت حد تسمم جماعي بأكل فاسد، وعلى ما سمي "الإصلاح البيداغوجي"، وشروط التدريس بوجه عام، ردت الدولة بجحافل من قوات القمع وتحويل الكليات والحي الجامعي ومحيطهما إلى ساحة قتال حقيقية، ثم أقدمت بعد فشل المعالجة القمعية على إغلاق الحي الجامعي وتشريد الطلاب. هذا بينما يتابع أبناء الأقلية المغتنية بإفقار الأغلبية دراستهم في مؤسسات خاصة وفي أرقى الجامعات الأوربية والأمريكية.
هذه إحدى جوانب اللوحة العامة للوضع الكارثي الذي أصبح عليه المغرب، تلك اللوحة التي تزداد قتامة رغم هبات السخط الجماهيري المنبثقة هنا وهناك. فالهجوم على مكاسب الشعب الطفيفة في التعليم الجامعي ترافق مع ضرب مجانية الخدمة الصحية العمومية، وخوصصة باقي الخدمات العمومية، و تعميم الهشاشة وفرط استغلال اليد العاملة وتجميد الأجور وإنزال ثقل الضريبة على الكادحين، ورفع الأسعار، وإخضاع اقتصاد البلد لمصلحة الرأسمال الامبريالي وحليفه المحلي.
كلما تقدم الهجوم البرجوازي طورا جديدا ترد مختلف الطبقات الشعبية المتضررة، عمال و فقراء الفلاحين و مفقرين مهمشين، بنضالات جزئية ومعزولة. خاض عمال الصناعة إضرابات عديدة دفاعا عن استقرار الشغل وضد الإغلاق ونتائج الخوصصة، و قام شغيلة الدولة بالوظيفة والمؤسسات العموميتين بكفاحات دفاع عن القدرة الشرائية [الأجور ومكملاتها]، و أطلقت الجمعية الوطنية للمعطلين ديناميات نضالية محلية ووطنية غير مسبوقة، وحولت مجموعات الأطر المعطلة شوارع العاصمة إلى ساحة نضال يومي، وعادت للظهور حركة نضالية متفاوتة بين التلاميذ، و نمت عبر السنوات نضالات كادحي القرى من اجل الخدمات الأساسية وفك العزلة والتهميش، وكان فيها للنساء دور كبير. وانضافت حركة النضال ضد غلاء المعيشة منذ سنتين لتعزز قوى النضال الشعبي تعزيزا بلغ الذروة مع معركة صفرو يوم 23 سبتمبر 2007.
لكن تدفق قوى النضال هذا يصطدم باعطاب أدوات النضال تارة، وبانعدامها تارة أخرى وبغياب وحدتها في جميع الأحوال. فمنظمات العمال النقابية مصابة ببيروقراطية شديد تبلغ مستوى إلغاء حرية التعبير و حق الدفاع عن برنامج مغاير، وبالتدخل الفوقي في تشكيل الأجهزة، وفي إجهاض النضالات، وفي فرض استسلام للسياسات المعادية للعمال وحتى التورط في تمريرها مثلما الحال في أنظمة التقاعد حيث يجلس ممثلو القيادات النقابية جنبا إلى جنب مع ممثلي الدولة لتقويض مكاسب الأجراء. ومن جهتها تعاني حركة المعطلين من موقف قيادات المنظمات العمالية السلبي إزاءها، سواء فيما يخص الدعم ببنية المقرات النقابية لبناء الحركة تنظيما وتعبئة، او تنسيق النضالات من اجل حق الشغل. أما المقاومة الشعبية بالقرى فتظل موضعية، وناقصة التنظيم، ومحلية المطالب، ومنعدمة التنسيق. و تعاني حركة تنسيقيات مناهضة الغلاء، رغم الظرف الموضوعي الملائم، من نواقص ذاتية أكبرها تسلط بيروقراطي يروم جعلها تحت وصاية قوى سياسية لا تضع النضال الحقيقي هدفا لها، ومن سلبيات ورثها قسم من اليسار المغربي عن ماضيه اللاديمقراطي أبرزها غياب تدبير سليم للاختلاف.
ان نقص التضامن، والأصح اقتصاره على اعلان العواطف النبيلة، جلي اليوم أيضا بعد ما تعرض له طلاب مراكش المناضلين من تنكيل، فلا النقابات العمالية ستلتفت إلى ما يجري بالجامعة، ولا حركة التنسيقيات أو المعطلين قادرة على مد عون فعلي لحركة الطلاب، ولا أي تضامن ملموس. هذا واقع لا جدوى من غض الطرف عنه بالجمل المألوفة حول الإدانة والاستنكار والتضامن. و الأشد وقعا من هذا كله ان حتى الحركة الطلابية بباقي الجامعات و مؤسسات التعليم العالي لن تستطيع إتيان العون الحقيقي الذي يحتاجه مناضلو مراكش.
الإجراءات الانتقامية التي اتخذت بحق طلاب مراكش تستوجب ضغطا طلابيا وطنيا، بجميع الجامعات بالإضراب والاعتصام إلى ان يعاد فتح الجامعة والحي الجامعي واستئناف الدراسة بتلبية حد أدنى من المطالب، وإطلاق سراح الطلاب المعتقلين.
ولأن الوضع بكافة الجامعات لا يختلف عن واقع مراكش، يستدعي الرد الطلابي الناجح نضالا على صعيد وطني، أو بالأقل تعاون المواقع الجامعية التي بها حاليا وجود نضالي أوطمي، بقصد وقف الهجوم الكاسح و تحقيق حد أدنى من المكاسب يكون قاعدة لمواصلة كفاح ظافر.
لكن بينما يقتضي التصدي لتخريب الجامعة العمومية حركة نضال طلابي على الصعيد الوطني، يتواصل واقع لا تنظيمي يبقي الحركة مشتتة وكل حالة نضالية محلية منطوية ومنعزلة. أدنى درجات التعاون منعدمة، و طلاب كل جامعة، وحتى كل كلية، يقاتلون بمفردهم إجراءات ذات طبيعة وطنية، وتظل المكاسب المحققة طفيفة ومهددة في كل لحظة، ولا تُحقق أي تراكمات تنظيمية ، مما يجعل حركة النضال تدور في دوامة مفرغة، وتطبيق السياسة الرسمية يتقدم عاما بعد عام.
كل من له علم بأوضاع الحركة الطلابية بالجامعات التي بها وجود لمناضلين منتسبين إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يدرك ان ما يستدعيه التضامن الفعلي مع طلاب مراكش بعيد المنال اليوم. فحتى الكليات التي بها حضور نضالي لا يمكن ان يرقى إلى الحجم الجماهيري المطلوب بفعل تقاليد السيطرة بالقوة التي تفرضها جماعات منتسبة إلى ا.و.ط. م ، وإلى "البرنامج المرحلي" بوجه خاص، ونظرا إلى أن تيار "البرنامج المرحلي" ذاته بات موزعا بين وجهات نظر متضاربة حد الاقتتال، فوجهة نظر فاس لا مكان لها في مراكش، كما ليس لوجهة نظر مراكش مكان في فاس، وهكذا دواليك بباقي الجامعات.
هذا واقع يجب النظر إليه كما هو. رغم كفاحية الطلاب يستمر تخريب الجامعة العمومية يوما بعد يوم ويظل الطالب المغربي يصارع البؤس المدقع بمنحة لا تكفي، إن وجدت، حتى لشراء الخبز. هذا واقع تدل كل الحقائق والوقائع انه سيتواصل طالما بقيت حال الجماعات المناضلة بالجامعة على ما هي عليه. فأداة النضال الطلابي، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب،يعيش وضعا تنظيميا، او بالأحرى لا تنظيميا، مزريا منذ 27 سنة وهي مدة تفوق نصف عمره. وكل من يتوخى الموضوعية سيقر بان أزمته لم تزدد إلا استفحالا منذ آخر مؤتمراته. والحقيقة انه أصبح في وضع غريب كليا عما كان أيام عزه النضالي. كان الاتحاد الوطني نقابة تعمل بداخلها تيارات سياسة، منها الإصلاحي ومنها الثوري والمتأرجح بينهما، في مناخ من التباري السياسي والنقاش الحر والديمقراطي، هو الذي أتاح تعاقب مختلف التيارات السياسية على قيادة المنظمة. ان ما جرى تكريسه في السنوات الأخيرة مناقض تماما لأعراف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ولتقاليده الديمقراطية المجيدة. إن الممارسات اللاديمقراطية المستشرية لدرجة الإقصاء بالعنف، وكل التبريرات المغلوطة التي تساق دفاعا عنها، إنما تبرز تراجع المستوى السياسي واستشراء البيروقراطية لدرجة غير مسبوقة، وتهدد بإبقاء النقابة الطلابية على حالها من التردي التنظيمي والفكري والنضالي. ان الكيفية التي يسير بها اليوم النشاط النقابي والسياسي بالجامعة المغربية ليس إلا هدرا لقوى النضال الفتية، لأن من تربى في أجواء الاستبداد السائدة لن ينجح أبدا في إنماء منظمات النضال العمالي والشعبي الأخرى خارج الجامعة. وهذا واقع ملحوظ تضررت منه جمعية المعطلين، التي بات ثمة من يعتبرها رجعية، كما تضررت منه النقابات العمالية حيث تتواصل هيمنة الإصلاحيين السياسية على القاعدة العمالية.
إن انعدام أدنى درجات التعاون النضالي بين مناضلي مختلف الجامعات، رغم المعارك التي تخاض أحيانا بحجم جماهيري حقيقي وبكفاحية عالية، يحكم على النضالات بضعف النتائج، فسياسة الدولة المدمرة للجامعة تستدعي وحدة نضالية على صعيد وطني، وبدونها سيستمر تضييع قوى النضال، وتستمر الحركة في مراوحة مكانها مستنزفة قواها مع تجدد الأفواج الطلابية. هذا ما جرى طيلة ربع قرن، و سيتواصل ما لم تتحمل قوى النضال القائمة حاليا مسؤوليتها التاريخية المتمثلة في تقييم موضوعي لواقع الحركة الطلابية، تقييم ينهي حالة التفسخ الفكري والسياسي واستنزاف قوى النضال فوجا إثر فوج.
لا تصدي حقيقي للهجوم على ما تبقى من حق في التعليم الجامعي، ولا انتزاع لهذا الحق كاملا، إلا بميزان قوى شعبي تضع فيه منظمات النضال العمالي والشعبي مجمل ثقلها، بتعبئة جماهيرية ونضالات ضارية، لأن قضية التعليم ليست قضية الطلاب وحدهم. و طبعا لا قيام لهذا إلا بنشوء حالة نضالية متقدمة في الساحة الطلابية ذاتها وقبل غيرها، أي مشاركة أغلبية الطلاب مشاركة واعية وكفاحية. جماهيرية النضال الطلابي و وحدته على صعيد وطني، هذا سبيل انقلاب حقيقي في ميزان القوى. لكن جماهيرية المعركة مشروطة بالديمقراطية حتى النهاية، ديمقراطية في النقاش والتعبئات وتنظيم القوى وتسيير المعارك، على نحو يتيح مشاركة الجميع، وهذا بالذات ما ينقص الساحة الجامعية حاليا لدرجة استحالة التعبير عن رأي مخالف لما جرى فرضه بحد الأدوات القاطعة. إن من يتسلحون بالحديد بدل الأفكار والحجج الكفيلة بإقناع أغلبية الطلاب يحكمون على نضال الطلاب بتعمق المآزق التي يتخبط فيها حاليا، وتبعا لذلك بنجاح كل خطط الدولة القادمة. إن إلغاء الديمقراطية هذا هو الذي يقطع اليوم عن طلاب مراكش تضامن طلاب الجامعات الأخرى، ويحكم على كفاحاتهم بالاختناق في عزلة، ومن ثمة الإخفاق في انتزاع مكاسب فعلية ومعاودة نفس الدورة العقيمة مع فوج طلابي آخر بعد ثلاث سنوات أو أربع.
فهل آن وقت استشعار التيارات القاعدية لما عليها من مسؤولية، ووقف استنزاف قوى النضال الطلابي بمصادرة الحريات بوهم احتكار الحقيقة، ام إنها ستحمل الجماهير الطلابية وزر أخطائها سنوات إضافية؟
على هذا يتوقف مدى اقتراب خروج النضال الطلابي من نفق دام منذ آخر مؤتمر للمنظمة الطلابية قبل 27 سنة، نقول اقتراب، أما تحقق ذلك الخروج فلا ريب فيه لأن استمرار الوضع الراهن لن ينتج إلا مآزق عويصة أكثر مما يتصور المسؤولون عنها.
محمود جديد
21 مايو 2008
قمع الطلاب بمراكش ومستقبل النضال بالجامعة المغربية