الحركة الطلابية المغربية،
أزمة مصدرها العصبية والإستبداد.
تعاني الحركة الطلابية المغربية منذ الحظر العملي على أوطم، أي منذ 1981، من أزمة تنظيمية. ذلك أن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب هو التنظيم النقابي الوحيد الذي يقوم بمركزة نضالات الطلبة المغاربة ويقوم بتنسيقها على المستوى الوطني ويضمن كفاحيتها وجماهيريتها. وقد جاء اندثار هذه المنظمة بسبب عدم قدرة فصيل القاعديين آنذاك على قيادة هذه المنظمة بالإضافة إلى تراجع فصائل "المسلسل الديمقراطي" من المشاركة في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب. هذا وقد أدى فشل/إفشال للمؤتمر 17 إلى ركود نضالات الحركة الطلابية، فانتقلت النضالات الوطنية إلى نضالات مواقعية، وأصبحت الفصائل اليسارية هي التي تقود المعارك الطلابية. وقد تحول فصيل النهج الديمقراطي القاعدي عرضة للإنشقاقات فكان أول انشقاق سنة 1981 فكان التيار المنشق آنذاك هو ما يسمى بـ"خط 7 نوفمبر". ليستمر مسلسل الإنشقاقات من نفس التيار وجدير بالذكر أن نذكر تيار "الكراس" الذي يعتبر نفسه امتداد لما يسمى بـ"منظمة إلى الأمام" السرية التي تم اجتثاث مناضليها في منتصف السبعينات. وسنة 1986 سينشق تيار ربما هو الأطول عمرا في المواقع الجامعية، إن لم نقل أنه هو الشيخ، هذا الفصيل الذي يتبنى برنامج الثلاث نقط، وفي سنة 1989 سيظهر فصيل آخر متنوع عن كل هذه الفصائل وهو ما يسمى بـ"الكلمة الممانعة" أو "القاعديين التقدميين" هذا الفصيل الذي ظهر كفاحيا في بدايته لكن تجربته لم تستطع أن تصمد لفترة أطول. هذه هي الفصائل التي انفصلت عن النهج الديمقراطي القاعدي. وفي سنة 1998 سيظهر من داخل الجامعة فصيل آخر فتي التجربة ومختلف تماما عن تجارب الفصائل التقليدية المكونة للإتحاد الوطني لطلبة المغرب برنامجيا وحتى فكريا. هذا سرد تاريخي للفصائل اليسارية التقدمية التي لعبت الحدث ولا زال بعضها مستمرا إلى حدود اليوم كما تم انقراض بعضها الآخر.
بعد تشتيت المنظمة النقابية أوطم، لن يتسنى للطلبة تنظيم نضالاتهم بشكل ديمقراطي وبشكل كفاحي. وستنتقل المسؤولية هنا إلى الفصائل التقدمية، التي بدورها ستقود نضالات الطلاب من داخل كل موقع على حدة، هذه المعارك التي تكون في الغالب مقزمة ولا يحظر فيها إلا عدد قليل من الطلبة وحتى التقرير يكون في شكل حلقات مما لا يسمح للطلبة بالإدلاء بمقترحاتهم لكون الفصائل هي التي تستبد بالنقاشات وتقرر في مصير الطلبة. إضافة إلى غياب الديمقراطية في المعارك الطلابية، نجد العصبية والحربائية الفصائلية، حيث أن المكونات الطلابية لا تحسم خلافاتها إلا بالعنف وقطع الألسن والأرجل. مما يساهم في نفور الطلبة من المناضلين، الشيء الذي يؤدي بشكل مباشر إلى ابتعاد الطلبة عن المعارك النضالية. كما أن تراجع النضال العام للكادحين والطبقة العاملة والجزر الذي تعرفه الحركة الإحتجاجية، قد ساهم بدوره في تراجع النضال الطلابي، ذلك أن الحركة الطلابية مرتبطة بشكل عضوي بالحركة الإحتجاجية لعموم الكادحين. كما أن إقبال النظام بكافة تلاوينه القمعية -الإيديولوجية والمادية- على احتواء الوعي الطلابي، وجعله في متاهة تبعده كل البعد عن الواقع الإقتصادي والإجتماعي المزري الذي يعيشه المغرب.
كل هذا ساهم في خلق أزمة خانقة لدى الحركة الطلابية، وأسقطها في خندق التدهور والإنحطاط. مما ساهم في جزر نضالي سمح للدولة بتطبيق مخططاتها التسليعية فبدءا من 1981 إلى حدود الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1998)، مرورا بالإصلاح الإستعجالي سنة 2003، وصولا إلى المخطط الإستعجالي الذي لا يفرق بيننا وبينه إلا فصل دراسي واحد. فكانت ضربة قاضية وجهت إلى الحركة الطلابية، بغرض إقبارها من طرف النظام. لكن الأزمة لم تكن موضوعية وفقط، بقدر ما أن المسؤولية يحمَْل قسط منها للفصائل التقدمية، وخاصة البرنامج المرحلي الذي حول المواقع الجامعية إلى قلاع القرون الوسطى وقبضه بقبضة من حديد على والإستبداد في مواقع جامعية معينة، دون السماح لمكونات وأطراف أخرى بالتواجد، وخير مثال على ذلك موقع مراكش. إن هذا التسابق إلى القيادة الطلابية من طرف فصائل معينة في مواقع معينة، وحرمان تيارات أخرى من التواجد فيها، هو ما يكرس الأزمة ويساعد النظام في ضرب التواجد السياسي والنقابي من داخل الجامعات. لأنه بدل أن يتدخل القمع لردع الممارسة السياسة بكل حرية، يتدخل بالنيابة عنه فصيل البرنامج المرحلي، أذكر هذا الفصيل دائما لأنه هو الوحيد الذي يقوم بهذه الممارسات على المستوى الوطني بكل تلاوينه وعصاباته.
كما أن غياب المبادرة الطلابية في إبداع أشكال نضالية أكثر ديمقراطية، والتشبث ببعض الطرق الكلاسيكية التي لا تتماشى ومتطلبات المرحلة؛ كالحلقات التقريرية، التي لا تتوفر على أي شرط من شروط الديمقراطية إلى غير ذلك... فعوض أن تبحث الفصائل الطلابية عن حلول تسرع الخروج من الأزمة، فإنها تلتجئ إلى أساليب العنف والتشتيت، ورفض أي برنامج يمكن أن يكون إجابة لواقع الحركة الطلابية، بدعوى أنه مصاغ من طرف فصيل معين. هذا في الوقت الذي يمد فيه النظام يده لبسط سيطرته على الجامعة، بانزال كافة مخططاته، التي تروم إلى تفويض الجامعات إلى الخواص، وضرب مجانيتها.
إن هذه الأزمة التي تعاني منها الحركة الطلابية لا يمكن تجاوزها، طالما أن ثقافة الحوار وتقبل الصالح ورفض الطالح هي السائدة. وطالما بقيت حرب المواقع والعصبية بين المكونات الطلابية قائمة، فإن الأزمة هاهنا ستعشش ويوما ما سندق آخر مسمار في نعش الحركة الطلابية. وبالتالي هذه مناشدة لكل الفصائل التقدمية بالتحلي بالنضج، وتشكيل جبهات مشتركة، والتعاون فيها على أساس بناء الحركة الطلابية من القاعدة، وضمان كفاحيتها لإنقاذ الجامعات من البنود التخريبية.
-------------------------------------------------------------
الكاتب:
رفيق إبراهيم
المصدر:
www.imghnassn.keuf.net