عدد الرسائل : 5 نقاط : 0 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/11/2008
موضوع: مذهب ماركس الثلاثاء 11 نوفمبر 2008 - 7:03
مذهب ماركس
الماركسية هي منهج أفكار ماركس و مذهبه. لقد تابع ماركس و أتم على نحو عبقري التيارات الفكرية الرئيسية الثلاثة في القرن التاسع عشر و التي تعزى إلى البلدان الثلاثة الأكثر تقدما في العالم: الفلسفة الكلاسيكية الألمانية و الاقتصاد السياسي الكلاسيكي الانجليزي و الاشتراكية الفرنسية المرتبطة بالتعاليم الثورية الفرنسية بوجه عام. إن ما تتصف به أفكار ماركس من منطق رائع و انسجام تام إنما يعترف به له حتى خصومه. و تؤلف أفكار ماركس بمجموعها المادية الحديثة و الاشتراكية العلمية المعاصرة بوصفها نظرية الحركة العمالية و برنامجها في جميع البلدان المتمدنة في العالم. كل هذا يحملنا على أن نقدم لعرض المضمون الرئيسي للماركسية، مذهب ماركس الاقتصادي، بلمحة موجزة عن مفهموه للعالم بوجه عام. المادية الفلسفية كان ماركس قد أصبح ماديا منذ 1844–1845 أي في الفترة التي تكونت فيها أفكاره: لقد كان، بوجه خاص، من أتباع فيورباخ. و لم يقرأ ماركس بما عند فيورباخ من نقاط ضعف حتى فيما بعد إلا من حيث عدم الكفاية في منطق ماديته و شمولها. لقد كان يرى أن الشأن التاريخي العالمي لفيورباخ الذي "شغل دهرا" قائم بالضبط على مقاطعته النهائية لمثالية هيغل و توكيده للمادية، هذه المادية التي "لم تكن في القرن الثامن عشر و خصوصا في فرنسا نضالا ضد المؤسسات السياسية الراهنة و كذلك ضد الدين و اللاهوت و حسب بل أيضا... ضد كل ميتافيزية" (بمعنى "التأملات المخمورة" و بخلاف "الفلسفة المعقولة") (كتاب "العائلة المقدسة" في "التركة الأدبية")[1]. و كتب ماركس أيضا: "يرى هيغل أن حركة الفكر، هذه الحركة التي يشخصها و يطلق عليها اسم الفكرة، هي الاله (الخالق، الصانع)... أما أنا فإني أرى العكس: إن حركة الفكر ليست إلا انعكاسا لحركة المادة منقولة إلى دماغ الإنسان و متحولة فيه" ("رأس المال" المجلد الأول. توضيح في آخر الطبعة الثانية)[2]. و على نحو تام الانسجام مع فلسفة ماركس المادية هذه كتب فريدريك انجلس عند شرحه لها في كتابه "ضد دوهرنغ" الذي قرأه ماركس قبل الطبع يوم كان مخطوطة: "إن وحدة العالم ليست في كيانه... بل في ماديته. و هذه المادية قد أثبتها... تطور طويل و شاق للفلسفة و علوم الطبيعة... الحركة شكل وجود المادة. لم يوجد قط و لا يمكن أن يوجد أبدا في أي مكان مادة بدون حركة و لا حركة بدون مادة... و لكن إذا تساءلنا... عن ماهية الفكر و المعرفة و عن مصدرهما نجد أنهما إنتاج الدماغ الإنساني و أن الإنسان نفسه هو نتاج الطبيعة الذي نما و تطور في محيط طبيعي معين و مع هذا المحيط. و إذ ذاك يغدو من البداهة أن نتاجات دماغ الانسان التي هي أيضا عند آخر تحليل نتاجات للطبيعة ليست في تناقض بل في انسجام مع سائر الطبيعة". "لقد كان كان هيغل مثاليا أي أن الأفكار في دماغه لم تكن في نظره إلا صور مجردة، (في الأصل: انعكاسات، يستعمل انجلس أحيانا كلمة 'نسخ') إلى هذا الحد أو ذاك، عن الأشياء و التطورات الواقعية. بل على العكس من ذلك فالأشياء و تطورها لم تكن في نظر هيغل إلا صورا تعكس الفكرة التي كانت موجودة، و لا أعلم أين، قبل وجود العالم"[3]. و قد كتب انجلس في مؤلفه "لودفيغ فورباخ" الذي عرض أفكاره فيه و أفكار ماركس حول فلسفة فورباخ و الذي لم يدفعه إلى الطبع إلا بعد أن أعاد قراءة المخطوطة القديمة حول هيغل و فورباخ و المفهوم المادي للتاريخ الذي وضعها بالتعاون مع ماركس في 1844–1845 يقول: "إن المسالة الاساسية العظمى في كل فلسفة و لاسيما الفلسفة الحديثة هي مسألة علاقة الفكر بالكائن أو علاقة العقل بالطبيعة... أيهما يسبق الآخر العقل أم الطبيعة... و كان الفلسفة تبعا لإجاباتهم على هذا السؤال قد انقسموا إلى معسكرين كبيرين: فأولائك الذين كانوا يؤكدون تقدم العقل على الطبيعة و يقبلون على هذا النحو في آخر تحليل بخلق العالم أيا كان نوع هذا الخلق... ألفوا معسكر المثالية. و الآخرون الذين كانوا يقررون تقدم الطبيعة انتموا إلى مختلف مدارس المادية." و كل مفهوم آخر للمثالية و المادية – بالمعنى الفلسفي – ليس من شأنه إلا خلق البلبلة. و قد نبذ ماركس نبذا قاطعا، ليس فقط المثالية المقرونة أبدا إلى الدين، بشكل أو بآخر، بل نبذ أيضا وجهة نظر هيوم و كانط المنتشرة خصوصا في أيامنا هذه، و العجزية، و الانتقادية، و المذهب الوضعي[4] بأشكالها المختلفة إذ أنه كان يعتبر هذا النوع من الفلسفة بمثابة تنازل "رجعي" أمام المثالية و في أحسن الأحوال بمثابة "أسلوب جبان يقبل المادية في السر و ينكرها في العلن."[5] وبصدد هذا راجعوا رسالة ماركس إلى انجلز المؤرخة في 12 كانون الأول/ديسمبر 1868 التي يتحدث فيها عن محاضرة العالم الطبيعي الشهير توماي هكسلي و يلاحظ فيها أن هذا العالم قد ظهر "ماديا أكثر من العادة" و اعترف "بأننا ما دمنا نلاحظ فعلا و ما دمنا نفكر فلا نستطيع أن نخرج أبدا من المادية" ثم يتهمه ماركس بأنه "فتح بابا سريا" للعجزية و لنظرية هيوم. و من المهم خصوصا أن نسجل رأي ماركس حول العلاقة بين الحرية و الضرورة: "ليست الضرورة عمياء إلا ما دامت غير مفهومة. الحرية هي فهم الضرورة" (انجلس. "ضد دوهرنغ") و هذا يعني، إذن، الاعتراف بمطابقة الطبيعة للقوانين الموضوعية، و تحول الضرورة الديالكتيكي إلى حرية (كتحول "الشيء بذاته" و غير المدرك و لكنه قابل للادراك إلى "شيء لنا"، تحول "جوهر الاشياء" إلى "ظاهرات"). إن العيب الأساسي في المادية 'القديمة' و في جملتها مادية فورباخ (بالأحرى المادية "المبتذلة" عند بوخنر و فوغت و موليشوت) هو في نظر ماركس و انجلس: أول – إن هذه المادية كانت "في أساسها ميكانيكية" و لم تكن لتأخذ بعين الاعتبار آخر ما توصلت إليه الكيمياء و البيولوجيا (و من المناسب أن نضيف إليها في أيامنا هذه النظرية الكهربائية للمادة). ثانيا – إن المادية القديمة لم تكن تاريخية و لا ديالكتيكية (كانت ميتافيزيقية بمعنى أنها ضد الديالكتيكية) و لم تكن تطبق وجهة نظر التطور من جميع نواحيها على نحو منسجم محكم الحلقات إلى النهاية. ثالثا – إنها تفهم "جوهر الإنسان" على نحو تجريدي لا بمثابة "مجموعة العلاقات الاجتماعية كافة" (التي يحددها التاريخ على نحو ملموس). و هكذا لم تقم إلا "بتفسير" العالم مع أن المقصود كان "تغييره" و بتعبير آخر إن المادية القديمة لم تكن تدرك شأن "النشاط العملي الثوري".